المحور الإنساني العالمي للتنمية والأبحاث

المحور الإنساني العالمي للتنمية والأبحاث المحور الإنساني العالمي للتنمية والأبحاث
المحور الإنساني العالمي للتنمية والأبحاث

جدل مطعوم الحصبة في الأردن

جدل مطعوم الحصبة في الأردن

الجدل حول أي مطعوم، أو غذاء، أو دواء، أو قضية وطنية علامة إيجابية، فهذا حال الدول التي ينتشر فيها الوعي والتعليم، وتتعاظم فيها المعرفة، ومسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، وقضاياه الوطنية، بصرف النظر عن النوايا؛ ذلك أنّ النوايا غير السليمة موجودة دائماً كحال النوايا السليمة، وفي ظل أي إنجاز عظيم، أو كارثة يوجد مستفيديون فرعيون، وانتهازيون مستعدون لمشاركة الآخرين حصادهم، أو أنْ يقتاتوا على نكباتهم. وفي ضوء ذلك لا ينبغي المبالغة في اتهام المعترضين أو اتهامهم بأنّهم مدسوسون، أو مهاجمة المؤيدين بوصفهم قبضوا الثمن أو يجاملون الحكومات.

ولو استعرضنا ما حدث أثناء جائحة كورونا، فلن نجد أنّه تم توجيه الاتهام لأحد بالتآمر، أو إثارة البلبة، أو المساس بالأمن الوطني سواء في الولايات المتحدة، أو أوروبا على الرغم من كثرة الأصوات التي شككت بالمطعوم، وحقيقة المرض.

وعند الحديث عن المواطن الأردني، بشكل خاص، فإن شهادة مطاعيم أبنائه تساوي بالنسبة له جميع ممتاكاته، بل إنّه يحرص على تطعيم أبنائه حرصه على نفسه؛ لذلك نجد المدرسة تحتفظ بشهادات المطاعيم إلى أن ينهي التلميذ/ التلميذة المرحلة الثانوية.

لقد عقدت الحكومة المؤتمرات الصحفية، وظهر كثير من وزرائها وكبار موظفيها على شاشات التفزة ليدحضوا مخاوف الناس، ومع ذلك ما زال التشكيك في مطعوم الحصبة المنوي تلقيح طلبة المدارس به يتزايد، وهو الأمر الذي يستوجب حلاً عصرياً.

وفي الواقع أنني طرحت السؤال التالي على معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي، في مسعى مني للوصول إلى إجابات محايدة، والسؤال هو: هل يجب سجن المشككين بمطعوم معين؟ فكانت جميع الإجابات على الفور ب"لا"، بما في ذلك الأجوبة التي قدمها Bard و ChatGPT أمّا الجواب كاملاً، فجاء على النحو التالي: "لا، لا يجب سجن المشككين بمطعوم معين. يحق للمواطنين التعبير عن آرائهم، حتى لو كانت هذه الآراء غير شعبية أو خاطئة. هناك عدد من الطرق التي يمكن للحكومة من خلالها التعامل مع التشكيك في اللقاحات، دون اللجوء إلى السجن، وتشمل:

  • توفير المعلومات الصحيحة للمواطنين: يجب على الحكومة توفير المعلومات الصحيحة حول اللقاحات، بما في ذلك فوائدها ومخاطرها. يمكن القيام بذلك من خلال حملات التوعية العامة، وتوفير المعلومات على مواقع الويب الحكومية، وعقد جلسات استماع مع المواطنين.
  • الرد على مخاوف المواطنين: يجب على الحكومة الاستماع إلى مخاوف المواطنين بشأن اللقاحات، والرد عليها بطريقة موضوعية وعلمية. يمكن القيام بذلك من خلال إنشاء فرق متخصصة للرد على الأسئلة والاستفسارات، وعقد منتديات حوارية مع المواطنين.
  • تقديم الحوافز للمواطنين: يمكن للحكومة تقديم الحوافز للمواطنين لتطعيم أطفالهم، مثل خصومات على الرعاية الصحية، أو إعفاءات من الرسوم المدرسية.

سجن المشككين بمطعوم معين سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، حيث سيؤدي إلى مزيد من المقاومة للتطعيم. كما أنه سيضر بحرية التعبير، وهو حق أساسي في جميع الديمقراطيات". كان ذلك ملخص أجوبة مواقع الذكاء الاصطناعي.

والحقيقة أنّ الجدل حول المطعوم بدأ من هل هو Pre-qualified أم Qualified وهو ما قمتُ بالبحث عنه، وقد أوصلني بحثي إلى الإجابة التالية: في سياق اللقاحات، يشير مصطلح "pre-qualified" إلى أن المطعوم قد تم تقييمه من قبل منظمة دولية، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO)، على أنه آمن وفعال، ولكن لم يتم اعتماده رسميًا بعد. أما مصطلح "qualified" فيشير إلى أن المطعوم قد تم اعتماده رسميًا من قبل منظمة دولية.

لذلك، فإن المطعوم "pre-qualified" هو مطعوم تم تقييمه على أنه آمن وفعال، ولكن لم يتم اعتماده رسميًا بعد. أما المطعوم "qualified" فهو مطعوم تم اعتماده رسميًا من قبل منظمة دولية، مما يعني أنه قد تم تقييمه على أنه آمن وفعال، ومتاح للاستخدام في جميع أنحاء العالم.

بشكل عام، يعتبر المطعوم "qualified" أكثر أمانًا وفعالية من المطعوم "pre-qualified". ومع ذلك، فإن المطعوم "pre-qualified" قد يكون خيارًا جيدًا في حالة عدم توفر المطعوم "qualified".

فيما يلي جدول يوضح الفرق بين المطعوم "pre-qualified" والمطعوم "qualified":

 

جدول يوضح الفرق بين المطعوم "pre-qualified" والمطعوم "qualified"

المصطلح

المعنى

الأمان

الفعالية

التوفر

Pre-qualified

مطعوم تم تقييمه على أنه آمن وفعال، ولكن لم يتم اعتماده رسميًا بعد

آمن

فعال

قد يكون متاحًا في بعض البلدان

Qualified

مطعوم تم اعتماده رسميًا من قبل منظمة دولية

آمن

فعال

قد يكون متاحًا في بعض البلدان

 

في سياق جائحة COVID-19، تم اعتماد عدد من اللقاحات من قبل منظمة الصحة العالمية. ومن الأمثلة على ذلك لقاحات Pfizer-BioNTech و Moderna و AstraZeneca. هذه اللقاحات هي "qualified" وتوفر حماية عالية ضد COVID-19.

هناك أيضًا عدد من اللقاحات الأخرى التي تم تقييمها من قبل منظمة الصحة العالمية على أنها "pre-qualified". ومن الأمثلة على ذلك لقاحات Sinovac و Sinopharm و Bharat Biotech. هذه اللقاحات هي "pre-qualified" وتوفر حماية جيدة ضد COVID-19.

لذلك، فإن أفضل لقاح هو الذي تم اعتماده رسميًا من قبل منظمة الصحة العالمية. ومع ذلك، فإن اللقاحات التي تم تقييمها على أنها "pre-qualified" قد تكون خيارًا جيدًا في حالة عدم توفر اللقاحات "qualified".

وبالعودة إلى مطعوم الحصبة المنوي تلقيح طلبة المدارس الأردنية به، فممّا لا شك به أنّ المطاعيم تقع في باب الأمن الوطني؛ ويجب معالجة أي شكوك حيالها، فوراً، وبأفضل الأساليب الديموقراطية والعلمية التي تضمن القضاء على التشكيك، وإعادة الثقة بالمطعوم، خاصة أنّ الأردن معروف تاريخياً بأنّه من أفضل دول المنطقة في الرعاية الصحية بشكل عام، والمطاعيم بشكل خاص.

واليوم علينا أنْ نتذكر تشكيك المشككين بلقاحات كورونا، وكيف تجاوزت البشرية هذا التشكيك، بل وكيف أفاد هذا التشكيك البشرية، فأخاف الشركات المصنعة، وجعلها شديدة الانتباه والحذر، وتسعى لتقديم أفضل ما عندها، وهو الأمر الذي انتهى بقبول البشرية للمطعوم، خاصة تلك الشعوب التي رأت قادتها يتقدمون الصفوف، أو ينتظرون دورهم للحصول على اللقاح، بل ومِن الناس مَن سعى للحصول على جرعة ثالثة، حيث كنتُ واحداً مِن هؤلاء، وحصلت عليها بالفعل، وأكثر مِن ذلك فقد سعى كثير مِن الناس لتحويل شهادة المطعوم إلى ما يشبه الهوية الشخصية، وقد انتبهتُ، وأنا أكتب هذه المقالة بأنني ما زلت أحمل تلك الهوية بين وثائقي الشخصية.

والآن علينا أنْ نتساءل، ما أسباب التشكيك بمطعوم الحصبة المنوي تلقيح طلبة المدارس الأردنية به، وقد أوصلني بحثي إلى ثلاثة أسباب رئيسية، وهي:

أولاً: عدم ثقة المواطنين بالشركة الهندية المصنعة للمطعوم.

ثانياً: محدودية حالة الإصابة بالحصبة التي يرى كثير مِن المواطنين أنّها لا تحتاج إلى تلقيح مئات الآلاف بقدر ما تحتاج إلى البحث عن مستحقي المطعوم وتلقيحهم.

ثالثا: مسألة "pre-qualified" و "qualified" وهي مسألة وضحتها سابقاً بالتفصيل.

وهنا يجب الانتباه إلى أنّه في الوقت الذي أقرت فيه وزارة التربية والتعليم بضرورة معالجة الفاقد التعليمي، وبدأت بالفعل بالمعالجة ضمن برنامج واضح... في هذا الوقت نجد بعض الأهالي يراقبون المدارس، كما لو كانوا يراقبون ساحة معركة منتظرة، بل إنّ بعض الطلبة، وبطلب من أولياء أمورهم، يراقبون باب الصف بحذر وترقب؛ لأن لديهم خططاً للتملص من المطعوم، فهل هي معركة بين الأهالي والمطعوم المنتظر؟ في الواقع، لا يجب أنْ يكون الأمر كذلك أبداً.

وهنا يجب أنْ ألفت الانتباه إلى فئة لم ينتبه لها أحد، وهيئة فئة المتسربين مِن المدارس، ولعل المئة وبضعاً وستين حالة مِن الأطفال التي يتم الحديث عنها كإصابات حصبة مؤكدة متأتية -في بعضها- من أطفال هذه الفئة، خاصة أنّ كثيراً من الأطفال المتسربين يعانون مِن مشكلة عمالة الأطفال، بل إنّ بعضهم يعملون في مهن شاقة، وبعضهم يبيعون أشياء تافهة على الإشارات الضوئية، ونرى بعضهم -أيضاً- في المدن الصناعية عندما نذهب لصيانة سياراتنا أو تصليحها.

وقد كان المحور الإنساني العالمي للتنمية والأبحاث مِن المؤسسات الوطنية الأردنية الرائدة في محاولة معالجة مشكلة التسرب المدرسي، فعقد مؤتمراً دولياً لهذه الغاية عام 2018 برعاية معالي وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي الحالي الأستاذ الدكتور عزمي محافظة، الذي كان آنذاك وزيراً للتربية والتعليم، كما شاركت نقابة المعلمين آنذاك بالمؤتمر المذكور الذي انعقد بمشاركة عربية ودولية واسعة النطاق، وترأس اللجنة العليا للمؤتمر الفريق الركن عواد المساعيد- رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، في حين ترأستُ شخصياً اللجنة العلمية للمؤتمر. وعلى الرغم من التوصيات ذات الأهمية الكبيرة التي انبثقت عن المؤتمر، فلم نتمكن من تطبيق أي منها على أرض الواقع؛ لأسباب كثيرة، ليس هذا مجال ذكرها.

هكذا يجب أخذ مخاوف أولياء الأمور بعين الاعتبار، وكذلك أخذ مخاوف الحكومة مِن انتشار مفاجىء لداء الحصبة وأدواء أخرى بعين الاعتبار، وهو ما يستوجب حلاً وسطاً وسريعاً، قد يكون بتغيير الشركة المصنعة للمطعوم، والحصول على لقاح بمواصفات أكثر جودة، ومأمونية، وبعدها -في اعتقادي- لن يحتج أحد، خاصة إذا ما تقدم الصفوف بعض أحفاد أو أبناء كبار المسؤولين لتلقي اللقاح في مدارسهم أمام الكاميرات.

وجملة القول: لا بدّ من صناعة الثقة... لا بدّ مِن صناعة الأمل، والنظر إلى حالة الجدل السائدة حول اللقاح المنتظر كحالة ديمقراطية، ووطنية تعبر عن ثقافة الشعب الأردني، ووعيه الذي من حقنا أن نفاخر به الدنيا.

  • من إعداد: المحور الإنساني العالمي للتنمية والأبحاث   GHPDR
  • Global Humanitarian Pivot for Development and Research
  • بقلم: الأستاذ الدكتور أحمد حمد حميدي النعيمي
  • Email: ahmad_nuaimi@yahoo.com | info@humanitarianpivot.org
  • Tel: 00962-792034285